فى يوم من الأيام فى قديم الأزمان كانت هناك
قبيلة تعيش فى الصحراء المقفرة تملؤها حياه ..فرح وحزن وصخب وعمل ..كانوا آمينين بينهم ..تشاركهم نسائهم العمل برعاية الأغنام والقيام بأعمل الحلب والضر إلى جانب
أعمال المنزل ..كانوا يعيشون حياة آمنة هادئة ...ويقضى الرجال يومهم فى أعمال
التحطيب أو العمل بالمناجم التى كانوا يستخرجون ما بها من ثروات ليعيشوا عليها مع
تجارتهم مع أهل المدن .
وكان هناك فى قبيلتهم الصغيرة المتألفة كهف كبير يقيمون فيه أفراحهم وإحتفالاتهم فى ليالى الشتاء الصحراوية التى تتسم
بالبرودة القارسة
وفى إحدى المرات التى يحيون فيها حفلا من
حفلات العرس ..فرحين ومنسجمين فى تدشين وبناء حياة جديدة لأبناءهم ويقيمون شرع
الله فيما بينهم لعروسين يبدأون حياتهم
بالفرح
وإذ يتبدل المشهد بعاصفة شديدة تتبعها هزة
أضية أدت إلى سقوط الكهف فوق رؤوسهم وإنقلب العرس إلى ساحة موتى كبيرة وكان النساء
يصطفون فى مكان واحد ..ووقعت عليهم صخرة كبيرة أدت إلى موتهم جميعا فيما عدا عروس
الحفل التى لم تدخل دنياها بعد
هذه القبيلة كانت تتمركز فى هذا المكان منذ
مئات السنين وكان شباب القبيلة عادة يتزوجون من بناتها وكانوا لا يعرفون غير ذلك ، فهى بشكل بديهى أو غير متفق عليه صارت عادات وتقاليد لا يعرفون سواها
بين عشية وضحاها ماتت كل نساء القبيلة
وبناتهم وتركوا من ورائهم الرجال والأطفال فقط ومات كل ما يمت للأنثى بصلة اللهم
إلا هذه العروس التعسة فى ليلة عرسها التى مات فيها أباها وأمها وكل عائلتها
ولأول مرة فى هذه القبيلة تحمل زوجة أحدهم فى
مخلوق جديد لم تحدد ملامحه بعد ويتمنون أن يكون أنثى ويدعون الله من أعماق الأعماق
اللهم أرزقنا بأنثى ..لتضىء لهم حياتهم
وتجعل لدنياهم معنى أخر ..ولكن الله قدر ..مرت 9 أشهر من الدعوات والأحلام
والأمانى فى أن يرزقهم الله بالأنثى وجاءت الرياح بما لا يشتهى السفن ،
إنه الولد
أمر الله – قضاء الله وقدره – ماذا حدث – أما
نشىء البشر وترعرعوا على حب الولد على مر الأزمان وكذلك أيضاء نشى أفراد هذه
القبيلة منذ أجداد الأجداد وهم يتباهون بخلفة الذكور التى تسعى مع الأباء والأمهات
لجلب الرزق ولحمل إسم العائلة ولكن الله قدر أن تكون الحياة فى الأنثى
...الإستمرار فى الأنثى ...الوجود ذاته فى الأنثى ...أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم فى
لمحة بصر واحدة ..أمر غريب ..لم يخطر ببال أعتى ذكورهم ان مصيرهم ومصير بقائهم على
وجهه البسيطة يرتبط بأن تولد أنثى تكرر المشهد وتكرر الحمل وتتكرر الدعوات وتتكرر
الأمانى
إثنى عشر عاما تلد فيها هذه العروس الحزينة
إثنى عشرا طفلا من الذكور ..يالعجائب القدر ..صار أطفال القبيلة القدامى رجالا
وصار رجالها شيوخا وودع القبيلة من ودع من الأباء والأجداد إلى لقاء رب كريم
وظل الرجال يحلمون والأطفال الجدد لا يعرفون
شىء مؤنث فى هذه الحياة سوى من حكايات رجال القبيلة إلى جانب الأم التى جعلها الله
سببا فى وجودهم
الأم التى بلغت من الكبر عتيا أو لم تبلغ
ولكن كثرة الحمل قد أنهكت قواها
عائلات القبيلة تنقرض عائلة تلو الأخرى وغدا
ربما يقتتلون لو جاء إلى هذه القبيلة أنثى ..من سيتزوجها ؟؟ ومن سينجب منها الأنثى
التى ستعيد هذه القبيلة إلى الحياة مرة أخرى ...يالله ...يارحيم يارؤوف ..من كان
يستطيع ان يصدق أن يحدث كل هذا ...مصير عشرات الرجال والأطفال مرتبط بوجود أنثى لم
يعد هناك قيمة للحياة بدونها ...أصبحت الحياة مقفرة ..جامدة ..لا يوجد جدوى للعمل
ولا لجلب الرزق ...يأكلون ولا يأكلون ...إختفت البسمة والضحكة...إنتهت المحافل إلى
غير رجعة
وظل الكهف المهدوم على رأس نصفهم الجميل الذى
قتل فيهم الحياة شاهد عيان ...يذكرهم كل يوم وكل ساعة بما أقره قدرهم ....يارب
لطفك بعبادك ..رحماك يارحمن يارحيم
......................................
وفى الحمل الثالث عشر ..جاءت البشرى والبشارة
،بعد أكثر من ثلاثة عشر عاما من مرارة الإنتظار أرسل الله نفحاته شعاع أمل يعيدهم
إلى الحياة مرة أخرى ولكنهم سينتظرون إكتمال ونضوج أنوثتها ليس أقل من خمسة عشر
عاما أخرى ..هل سيعيشون فى هذه الحياة الذكورية فى هذا المجتمع الأصم الأبكم خمسة
عشر عاما أخرى ؟؟
مات معظم رجال القبيلة لم يتبق إلى سبعة من
الرجال غير الأم التى توفى زوجها أيضا ..وتراجعت حالتها الصحية إلى أنها ظلت ترعى
الإثنى عشر إبنا يعاونها فى ذلك سبعتهم إلى جانب الشمعة الجديدة التى ينتظرون
توهجها لتضىء حياتهم من جديد
وفى يوم إكتمال توهجها ..بدا لهم حلما جديد
يلوح فى الأفق ..رحلة جديدة ..رحلة إنتظار القادم ..المحاط بالأمانى والدعوات
والرجاء على أن يكون أنثى أيضا
.............
تزوجها أكبرهم كان فى الأربعينيات من عمره
وفى غضون عشر سنوات كان قد أنجب منها من الأطفال عشرا ..خمسة من الذكور وخمسة من
الإناث
...كانوا يدللونها كثيرا ويلتفون حولها فى
ليالى الشتاء كأنها قمرا وهم جميعا كواكب فى سماءها ..إذ تطلب تجاب ..إذ تمرض
يضربون الأرض إلى أن تطيب أوجاعها ..هى الضياء الذى أرسله الله لهم
........
توفى زوجها فى بداية الخمسينات من عمره ولم
تكن هى تجاوزت الثلاثين بعد ...بعد ان قضت أشهر عدتها تزوجت أحد الستة رجال الذى
تركهم الله ليذكرهم برحمته وغفرانه لهم ...أنجب منها ثلاثة أطفال أخرين ذكرين
وأنثى
أصبح فى القبيلة ستة من الإناث وكأنهم ست
شمعات يشعلن جو الصحراء ضياءا ودفئا ورغم ذلك لا يجوز لهم الزواج من إثنى عشرا
شابا هم أخوالهم ...
الذى صار أكبرهم الآن فى مطلع العشرين من
عمره
وتمضى الأيام فى سيرها كلما أراد الله يتزوج إحدى الإناث الست أحد الرجال
الخمس الباقين للقبيلة وقد قاربوا على إنتهاء أعمارهم وإقتراب تحقق الحلم ورجوع
الحياة مرة أخرى ..يتحدثون يوميا عن أهمية الأنثى فى قبيلتهم ودنياهم الجديدة التى
لا يعرفون ..قد من الله عليهم بها ؟؟ أم إبتلاهم بها ؟!
أخر رجال القبيلة تزوج بأخر أنثتين منها
..أصبح هناك فى القبيلة خمس عائلات جدد وإثنى عشرا رجلا هما الخاسر الوحيد فى هذه
الحياه
...
بدأت تشرق الشمس من جديد على الصحراء المقفرة
..فقد أنجبت كل عائلة من الإناث والذكور ما شاء الله لها ثمانية وعشر وإثنى عشرا
من الذكور والإناث وكانوا يهتمون بالإناث إهتماما بالغا ومبالغا فيها ..فما بين
طرفة عين وإنتباهتها أصبحت الأنثى هى سر بقاءهم وأصبحت الأباء والأجداد ينقلون
قصتهم هذه إلى الأبناء وأبناء الأبناء حتى لا يسيئوا معاملة أخواتهن أو بناتهن فى
المستقبل ... ظل الأخوال اللذين صاروا شيوخا هم الخاسرون الوحيدون فى هذه الدنيا
يراعون الأخت الملهمة التى جعلها الله سببا فى شروق الشمس على هذه القبيلة مرة
أخرى وبناتها وأحفادها إلى أن توفاهم الله الواحد تلو الآخر
أصبح الخمس عائلات الجدد يزواجون أبناءهم
وبناتهم الجدد فى حب وسعادة ويساند بعضهم بعضا ويتناولون الحكى فى ليالى الشتاء
على أطلال الكهف إلى أن إزدهر العيش مرة أخرى وعادت الحياة إلى طبيعتها ..بشرا لهم
أهمية ....رجالا ونساءا بفضل الله الذى وضع سر خلقه ...نطفة فى رحم أنثى تلد أنثى
تضىء بنورها الذى وهبه لها الله جلا فى علاه
فهلا أدركنا قيمة أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا
فى حياتنا ...لا عليك من نعمة الخلق الذى وضعها الله فى رحمها ولكن هى الحب والعطف
هى سر الخلق هى سر إمتداد البشر على الأرض هى الحياة بكل ما تحمله الكلمة من معنى
....ألم يحن أذن أن نقيم لها وزنها بيننا ونحظ حقوقها ونرعاها ونصونها ونحفظ لها
مكانها ومكانتها
...............
الأنثى هى الأم والأمة ..هى الأخت والدفىء
..هى الحبيبة التى تعى معنى العطاء ..هى الأخت التى تعطى للكون لونا أخر هى
الإبنة التى بالنظر إلى وجهها تضاء الدنيا وكأنها شمس الشروق ...هى الحياة ...هى
..حواء